الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **
لما أراد الخليفة الرشيد أن يقرأ على مالك الموطأ قعد بجانبه وأمر وزيره أن يقرأ فقال له مالك: يا أمير المؤمنين هذا العلم لا يؤخذ إلا بالتواضع وقد جاء في الخبر تواضعوا لمن تعلمون منه فقام الخليفة وجلس بين يديه مع أن الخليفة في الفضل بحيث يعلم موضعه ولأجل ما عنده من فضيلة العلم انقاد إلى الأدب والتواضع ولم يزده ذلك إلا رفعة وهيبة بل ارتفع قدره بذلك حتى أثنى به عليه على مر الزمان. (غريبة) روي أن شيخ الشيخ خليل المالكي صاحب المختصر المشهور احتاج إلى إزاحة كنيف فراح يطلب السراباتي فجاء شيخ خليل في غيبته فتجرد ونزل الكنيف يعمل فيه فجاء الشيخ فوجده يعمل فرفع يده وابتهل في صلاح باطنه وشيوع علمه جزاء لما صنعه فأنجب حالاً فسارت به الركبان إلى الآن وفي نشر الروض لليافعي رحمه اللّه تعالى أن أبا الغيث بن جميل أمره شيخه ابن مفلح رضي اللّه عنه بخدمة نسائه وعادتهم لا يخدمهن إلا من انتهى في السلوك لأن رضاهن لا يحمله إلا من له سعة باطن فكان إذا فرغ من خدمتهن يجد فقيراً يعطيه رغيفاً وحلوى فسأله ابن مفلح رضي اللّه تعالى عنه يوماً: ما هذا فأخبره فقال: إنه الخضر عليه السلام فإن كان شيخك رح إليه وإن كنت شيخك فلا تأخذ منه فجاءه فأعطاه فردّه فقال له الخضر عليه السلام: تفلح يا أبا الغيث بامتثال أمر شيخك وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة رضي اللّه عنهما: ما جلست مجلساً قط أنوي فيه أن أتواضع إلا لم أقم حتى أعلوهم وما جلست قط مجلساً أنوي فيه أن أعلوهم إلا لم أقم حتى أفتضح. - (خط في الجامع عن أبي هريرة) رضي اللّه تعالى عنه قال الذهبي: رفعه لا يصح وروى من قول عمر هو الصحيح انتهى. 3382 - (توبوا إلى اللّه) أيها المؤمنون وإن كنتم من الكاملين قياماً بحق العبودية إعظاماً لمنصب الربوبية لا رغبة في الثواب ولا رهبة من العقاب قال العلائي: بالتوبة الاستغفار الذي كان يكثر منه (فإني أتوب إليه كل يوم) امتثالاً لقوله تعالى - (خد عن ابن عمر) بن الخطاب ظاهر صنيع المصنف أن ذا لا يوجد في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه على القانون المعروف وهو ذهول فقد خرجه مسلم في الدعوات من حديث الأغر المزني الصحابي. 3383 - (توضأوا مما مست) وفي رواية لأبي نعيم غيرت (النار) أي من أكل كل ما أثرت فيه بنحو طبخ أو شيٍّ أو قلي وأخذ بظاهره جماعة من الصحب والتابعين، وقال الجمهور: منسوخ بخبر أبي داود عن جابر كان آخر الأمرين من رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ترك الوضوء منه لكن عورض بخبر ابن عبد البر وغيره عن عائشة رضي اللّه عنها كان آخر الأمرين الوضوء منه ويجاب بأن حديث أبي داود أصح وبفرض عدم النسخ فالمراد الوضوء اللغوي جمعاً بين الأدلة وهو غسل اليد والفم من الزهومة قال البيضاوي: الوضوء في أصل اللغة غسل بعض الأعضاء وتنظيفه من الوضاءة بمعنى النظافة والشرع نقله إلى الفعل المخصوص وقد جاء هنا على أصله والمراد فيه وفي نظائره غسل اليدين لإزالة الزهومة جمعاً بين الأخبار وحمله بعضهم على المعنى الشرعي وزعم أنه منسوخ بحديث ابن عباس أنه لا وضوء من ذلك وهو إنما يتجه لو علم تاريخهما وتقدم الأول لا يقال ابن عباس متأخر الصحبة فيكون حديثه ناسخاً لأنا نقول تأخر الصحبة وحده لا يقتضي تأخر الحديث نعم لو كانت صحبته بعد موت الآخر أو غيبته دل ذلك على تأخره أما لو اجتمعا عند الرسول فلا لجواز أن يسمع الأقدم صحبة من بعد سماعه اهـ قال النووي: والخلاف كان في الصدر الأول ثم وقع الإجماع على عدمه قال الرافعي: وفي الحديث دلالة على أن لفظ المس يصح على إطلاقه وإن كان هناك حائل. - (حم م ن) في أبواب الطهارة في الدعوات (ن عن أبي هريرة) الدوسي زاد أبو نعيم في روايته فقال ابن عباس: كيف يصنع بالماء السخن فقال أبو هريرة: إذا حدثت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم فلا تضرب له الأمثال (حم م ن عن عائشة) أشار بإيراده عن مسلم من طريقيه والنسائي وابن ماجه للرد على ما قاله الصدر المناوي أنه من أفراد مسلم على الستة وعده المصنف من الأحاديث المتواترة. 3384 - (توضأوا من لحوم الإبل) أي من أكلها فإنها لحوم غليظة زهمة فكانت أولى بالغسل من غيرها كلحوم الغنم وبهذا أخذ أحمد وابن راهويه وابن خزيمة وابن المنذر والبيهقي فنقضوا الوضوء بالأكل منها واختاره النووي من الشافعية والجمهور على عدمه وأجيب بأنه منسوخ أو محمول على الندب أو غسل اليد والفم وبأنه أكل لحم كتف شاة ولم يتوضأ والأصل عدم الاختصاص (ولا توضأوا من لحم الغنم) أي من أكلها والفرق ما تقرر (وتوضأوا من ألبان الإبل) أي شربها (ولا توضأوا من ألبان الغنم) لما ذكر في لحمها (وصلوا في أمراح الغنم ولا تصلوا في معاطن الإبل) فإنها من الشياطين كذا علله في خبر أبي داود قال الخطابي: ذهب جمع إلى إيجاب الوضوء من تلك وأما عامة الفقهاء فمعنى الوضوء عندهم النظافة ونفي الزهومة وفي لحم الإبل ولبنها من الزهومة ما ليس في غيرها قال ابن سيد الناس: وفيه جواز الصلاة في مرابض الغنم والنهي عنها في مبارك الإبل. - (ه عن ابن عمر) بن الخطاب قال مغلطاي: قال أبو حاتم: كنت أنكر هذا الحديث فوجدت له أصلاً لكنه موقوف أصح. [ص 276] ( 3385 - (التائب من الذنب) توبة مخلصة صحيحة (كمن لا ذنب له) لأن العبد إذا استقام ضعفت نفسه وانكسر هواه وتغيرت أحواله وساوى الذي قبله ممن لا صبوة له قال الطيبي: هذا من قبيل إلحاق الناقص بالكامل مبالغة كما نقول زيد كالأسد ولا يكون المشرك التائب معادلاً بالنبي المعصوم. - (ه) من طريق أبي عبيدة بن عبد اللّه بن مسعود (عن) أبيه عبد اللّه (بن مسعود) قال في الميزان: قال أبو حاتم: حديث ضعيف وابن أبي سعيد مجهول رواه عنه مجهول هو يحيى بن خالد قال المنذري بعد ما عزاه لابن ماجه والطبراني: رواة الطبراني رواة الصحيح لكن أبو عبيد لم يسمع من أبيه وقال ابن حجر: حسن (الحكيم) الترمذي (عن أبي سعيد) الخدري وحمل السخاوي تحسين ابن حجر رحمه اللّه للطريق الأول على أنه باعتبار شواهده قال وإلا فأبو عبيدة جزم غير واحد بأنه لم يسمع من أبيه. 3386 - (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) لأن التائب حبيب اللّه - (القشيري في الرسالة) المشهورة في التصوف (وابن النجار) في التاريخ (عن أنس) ورواه الديلمي أيضاً باللفظ المزبور. 3387 - (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) أخذ منه الغزالي أن التوبة تصح من ذنب دون ذنب إذ لم يقل التائب من الذنوب كلها لكن التوبة عما تمائل في حق الشهوة كمدمن الخمر دون آخر منه غير ممكن نعم تجوز التوبة عن الخمر دون النبيذ لتفاوتهما في السخط وعن الكثير دون القليل لأن لكثرة المعصية تأثيراً في كثرة العقوبة وقد اختلف في حد التوبة قال في المفهم: وأجمع العبارات وأسدها أنها اختيار ترك ذنب سبق حقيقة وتقديراً لأجل اللّه (والمستعفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه) ومن ثم قيل: الاستغفار باللسان توبة الكذابين وقالت ربيعة رحمها اللّه: استغفارنا يحوج إلى استغفار قال الغزالي: والاستغفار الذي هو توبة الكذابين هو ما يكون بمجرد اللسان ولا جدوى له فإن إنضاف له تضرع القلب وابتهاله في سؤال المغفرة عن صدق فهذه حسنة في نفسها تصلح لأن يدفع بها السيئة وعليه تحمل الأخبار الواردة في فضل الاستغفار والحاصل أن النطق بالاستغفار وإن خلا عن حل عقد الإصرار من أوائل الدرجات وليس يخلو عن الفائدة أصلاً فلا ينبغي أن يظن أن وجوده كعدمه ذكره بعض الأكابر وقال النووي رضي اللّه عنه: فيه أن الذنوب وإن تكررت مئة مرة بل ألفاً وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الكل مرة واحدة صحت توبته وفي الأذكار عن الربيع بن خيثم: لا تقل أستغفر اللّه وأتوب إليه فيكون ذنباً وكذباً إن لم تكن تفعل بل قل اللّهم اغفر وتب عليّ قال النووي رضي اللّه عنه: هذا حسن وأما كراهة أستغفر اللّه وتسميته كذباً [ص 277] فلا يوافق عليه لأن معنى أستغفر اللّه أطلب مغفرته وليس كذباً ويكفي في رده خبر أبي داود من قال أستغفر اللّه الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه غفرت ذنوبه وإن كان قد فر من الزحف قال ابن حجر: هذا في لفظ أستغفر اللّه أما أتوب إليه فهو الذي عنى الربيع أنه كذب وهو كذلك إذا قاله ولم يتب وفي الاستدلال للرد عليه بالخبر نظر لجواز كون المراد ما إذا قالها وفعل شروط التوبة ويحتمل أن الربيع قصد مجموع اللفظين لا خصوص أستغفر اللّه (ومن آذى مسلماً كان عليه من الذنوب مثل منابت النخل) أي في الكثرة المفرطة التي لا تحصى وضرب المثل بمنابت النخل دون غيرها لأن المدينة كانت كثيرة النخل ولا شيء أكثر منه فيها فخاطبهم بما يعرفون. - (هب وابن عساكر) في التاريخ وكذا الطبراني والديلمي وابن أبي الدنيا كلهم (عن ابن عباس) قال الذهبي: إسناده مظلم وقال السخاوي: سنده ضعيف وفيه من لا يعرف وقال المنذري: الأشبه وقفه وقال في الفتح: الراجح أن قوله والمستغفر إلخ موقوف. 3388 - (التؤدة) بضم التاء الفوقية وهمزة مفتوحة ودال مهملة مفتوحة التأني (في كل شيء خير) أي مستحسن محمود (إلا في عمل الآخرة) فإنه غير محمود بل الحزم بذل الجهد فيه لتكثير القربات ورفع الدرجات ذكره القاضي وقال الطيبي: معناه أن الأمور الدنيوية لا يعلم أنها محمودة العواقب حتى يتعجل فيها أو مذمومة حتى يتأخر عنها بخلاف الأمور الأخروية لقوله سبحانه - (د) في الإيمان (هب عن سعد) بن أبي وقاص قال الحاكم: صحيح على شرطهما المنذري لم يذكر الأعمش فيه من حدثه ولم يجزئه برفعه. 3389 - (التؤدة والاقتصاد) التوسط في الأمور والتحرز عن طرفي الإفراط والتفريط (والسمت الحسن) أي حسن الهيئة والمنظر وأصل السمت الطريق ثم استعير للزي الحسن والهيئة المثلى في الملبس وغيره وفي رواية والهدي بفتح الهاء السيرة السرية (جزء من أربع) وفي رواية من خمس (وعشرين جزءاً من النبوة) أي أن هذا من أخلاق النبوة ومما لا يتم أمر النبوة بدونها وحق هذا اللفظ من أربعة بتاء التأنيث لكنه أنث باعتبار الأصل وفي رواية بالتاء على الأصل والتفاوت بين العددين من خمس وأربع لعله من وهم الرواة وطريق معرفة ذلك العدد بالرأي والاستنباط مسدود فإنه من علوم النبوة وروى ابن السني عن عائشة أن المصطفى صلى اللّه عليه وسلم خرج ذات يوم إلى إخوانه فنظر في كوة من ماء إلى لمته وهيئته ثم قال: إن اللّه جميل يحب الجمال إذا خرج الرجل إلى إخوانه فليهيء من نفسه. - (طب عن عبد اللّه بن سرجس) بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الجيم بعدها مهملة كما مر. 3390 - (التأني) أي التثبت في الأمور (من اللّه والعجلة من الشيطان) قال ابن القيم: إنما كانت العجلة من الشيطان لأنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم وتوجب وضع الشيء في غير محله وتجلب الشرور وتمنع الخيور وهي متولدة بين خلقين مذمومين التفريط والاستعجال قبل الوقت. قال الحرالي: والعجلة فعل الشيء قبيل وقته [ص 278] الأليق به وهذا الحديث من شواهده ما رواه البيهقي أيضاً في سننه عن ابن عباس مرفوعاً إذا تأنيت أصبت أو كدت وإذا استعجلت أخطأت أو كدت تخطئ. - (هب) من حديث سعد بن سنان (عن أنس) قال الذهبي: وسعد ضعفوه وقال الهيثمي: لم يسمع من أنس وهو الراوي عنه ورواه أبو يعلى باللفظ المزبور وزاد فيه وما أحد أكثر معاذير من اللّه وما من شيء أحب إلى اللّه من الحمد قال المنذري: ورواته رواة الصحيح وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح اهـ وبه يعرف أن المصنف لم يصب في إهماله وإيثاره رواية البيهقي. 3391 - (التاجر الأمين الصدوق) فيما يخبر به مما يتعلق بأحكام البيع من نحو إخباره بما قام عليه ومن عيب فيه وغير ذلك ولعل الجمع بينهما للتأكيد (المسلم مع الشهداء يوم القيامة) قال ابن العربي: هذا الحديث وإن لم يبلغ درجة المتفق عليه من الصحيح فإن معناه صحيح لأنه جمع الصدق والشهادة بالحق والنصح للخلق وامتثال الأمر المتوجه إليه من قبيل الرسول ولا يناقضه ذم التجار في الخبر المار لأنه محل لذم أهل الفجور والرياء والحرص بقرينة هذا الخبر أما مع تحري الأمانة والديانة فالإتجار محبوب مطلوب ولهذا كان السلف يقولون: اتجروا فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم كان أول ما يأكل بدينه. - (ه ك) في البيوع (عن ابن عمر) بن الخطاب قال الحاكم: صحيح واعترضه ابن القطان بأنه من رواية كثير بن هشام وهو وإن خرَّج له مسلم ضعفه أبو حاتم وغيره. 3392 - (التاجر الصدوق الأمين) يحشر يوم القيامة (مع النبيين والصديقين والشهداء) قال الحكيم: إنما لحق بدرجتهم لأن احتظى بقلبه من النبوة والصديقية والشهادة فالنبوة انكشاف الغطاء والصديقية استواء سريرة القلب بعلانية الأركان والشهادة احتساب المرء بنفسه على اللّه فيكون عنده في حد الأمانة في جميع ما وضع عنده وقال الطيبي: قوله مع النبيين بعد قوله التاجر الصدوق حكم مرتب على الوصف المناسب من قوله - (ت ك) في البيوع (عن أبي سعيد) الخدري قال الترمذي: حسن غريب وقال الحاكم: من مراسيل الحسن اهـ لكن له شواهد عند الدارقطني رحمه اللّه وغيره. 3393 - (التاجر الصدوق تحت ظل العرش يوم القيامة) يعني يقيه اللّه من حر يوم القيامة على طريق الكناية أو يجعله اللّه في ظل عرشه حقيقة والتجارة صناعة التجار وهي القصد للبيع والشراء لتحصيل الربح. - (الأصبهاني في ترغيبه) أي في كتاب الترغيب والترهيب (فر) كلاهما (عن أنس) بن مالك. 3394 - (التاجر الصدوق لا يحجب من) أي عن (أبواب الجنة) أي أنه يدخل من أي أبواب الجنة شاء ولا يمنعه عنه خزنته وذلك لنفعه لنفسه ولصاحبه وسرايته إلى عموم الخلق قال سفيان الثوري وكانت له تجارة يقلبها: لولا تمندل بنو العباس بي أي جعلوني كالمنديل يمسحون بي أوساخهم ما فعلت. - (ابن النجار) في التاريخ (عن ابن عباس). [ص 279] 3395 - (التاجر الجبان) ضد الشجاع (محروم والتاجر الجسور) أي ذو الإقدام في البيع والشراء (مرزوق) قال الديلمي: ليس معناه أن الجبان يحرم الرزق لجبن قلبه ولا الجسور يرزق أكثر بل معناه أنهما يظنان كذلك وهما مخطئان في ظنيهما وما قسم لهما من الرزق لا يزاد فيه ولا ينقص ويؤيده خبر إن الرزق لا يجره حرص حريص ولا يرده كره كاره والجبان المهيب عن الإقدام على الأمور فلعل جبنه من البذل لعزة المال عنده وقنوطه من عوده إلى يده سبب لحرمان الرزق وذلك ينشأ من ظلمة الشرك والشك فيحرم الرزق فيعذب قلبه ويتعسر أمره والجسور يقدم سخاوة نفسه على بذل ما في يده ومنشأه من كمال التوحيد والثقة بوعده تعالى فتسهل عليه أسباب الرزق ببركته فنبه على أن ربح الدنيا والدين ببركة بذل الدنيا وإخراجها انتهى والأقرب إجراؤه على ظاهره ولا مانع من أن يجعل اللّه جسارة التاجر وعدم تهيئته للإقدام على البيع والشراء بقصد الاعتماد على اللّه في تحصيل الربح سبباً لسعة رزقه، ومن ثم قيل: لا تكونن للأمور هيوباً * فإلى خيبة يكون الهيوب - (القضاعي) في مسند الشهاب (عن أنس) بن مالك قال شارحه العامري: حسن. 3396 - (التثاؤب) بمثناة فوقية فمثلثة فهمزة بعد مدة أي سببه وهو كثرة الغذاء وثقل البدن (من الشيطان) أي ناشئ عن إبليس لأنه ينشأ من الامتلاء وثقل النفس وكدورة الحواس واسترخائها ويميل بالبدن إلى الكسل والنوم فأضافه إليه لأنه الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه وهو التوسع في المطعم والشبع فيثقل البدن عن الطاعة (فإذا تثاءب أحدكم) زاد الترمذي في الصلاة مع أنها غير قيد لكن طلب الرد فيها آكد (فليرده) أي فليأخذ في أسباب رده (ما استطاع) بأن يسد فمه مهما أمكن لقبحه وليس المراد أنه يملك رده لأن الواقع لا يرد (فإن أحدكم إذا قال ها) مقصور من غير همز حكاية صوت التثاؤب (ضحك منه الشيطان) فرحاً بموافقة غرضه المذموم فأضافه إليه كأنه يحبه ويرتضيه ويتوسل به إلى ما يبتغيه من الكسل عن الصلاة والفتور عن العبادة ولأنه إنما يغلب غالباً من الشره وشدة الشبع الذي هو من عمل الشيطان والشيطان هو الداعي إلى إعطاء النفس حظها من الشهوة. - (ق عن أبي هريرة رضي اللّه عنه) وفي الباب أبو سعيد. 3397 - (التثاؤب الشديد) بمثلثة بعد الفوقية وهو التنفس الذي ينفتح منه الفم لدفع البخار المختنق في عضلات الفم الشديد الذي يشوه صورة الإنسان (والعطسة الشديدة من الشيطان) ومن ثم عدوا من خصائص الأنبياء أنهم ما تثاءب أحد منهم قط ولا احتلم فإذا أحس الإنسان بتثاؤب أو عطس فليكظم وليضع يده على فمه ويخفض صوته ما أمكنه لئلا يبلغ الشيطان مراده من تشويه صورته ودخوله فمه وفيه وفيما قبله كراهة التثاؤب في الصلاة وغيرها وبه صرح في التحقيق للشافعية قال الحافظ ابن حجر: والمراد بكونه مكروهاً أنه لا يجري معه وإلا فدفع وروده غير مقدور له وإنما خص الصلاة في بعض الروايات لأنها أولى الأحوال به. - (ابن السني في عمل يوم وليلة عن أم سلمة). 3398 - (التحدث بنعمة اللّه شكر) أي إشاعتها من الشكر - (هب عن النعمان بن بشير) وفيه أبو عبد الرحمن الشامي أورده الذهبي في الضعفاء وقال الأزدي كذاب ورواه عنه أحمد بسند رجاله ثقات كما بينه الهيثمي فكان ينبغي للمؤلف عزوه له. 3399 - (التدبير) أي النظر في عواقب الإنفاق إذ التدبير كما قاله المحقق الدواني أعمال الروية في أدبار الأمور وعواقبها لتتقن الأفعال وتصدر على أكمل الأحوال (نصف المعيشة) إذ به يحترز عن الإسراف والتقتير وكمال العيش شيئان مدة الأجل وحسن الحال فيها وهذا لا يعارض قول الصوفية أرح نفسك من التدبير فما قام به غيرك عنك لا تقم به لنفسك ما ذاك إلا لأن الكلام هنا في تدبير صحبه تفويض وكلامهم فيما لا يصحبه (والتودد) أي التحبب إلى الناس (نصف العقل) لأن العقل صنفان مطبوع ومسموع والمسموع صنفان معاملة مع اللّه ومعاملة مع الخلق كما قال بعضهم: العقل العبودية للّه وحسن المعاملة مع خلقه وإقامة العبودية الرضا والوفاء حتى يكون الحكم في القضاء والوفاء في الأمر بالأداء وحسن المعاملة كف الأذى وبذل الندى فمن كف أذاه وبذل نداه وده الناس ومن فعل هذا فقد جاز نصف العقل وإن أقام العبودية للّه استكمل العقل كله (والهم نصف الهرم) الذي هو ضعف ليس وراءه قوة ومن لم يصل إلى الهرم وزال الهم عادت القوة فالهم إذن نصف الضعف (وقلة العيال أحد اليسارين) اليسار خفض العيش واليسر زيادة الدخل على الخرج أو وفاء الدخل بالخرج فمن كثر عياله ودخله فضل له من خرجه أو وفى دخله بخرجه ومن قل دخله وعياله ووفى دخله بخرجه أو فضل من دخله ففي كل من الحالين يكون في يسر ومن قل دخله وكثر عياله فهو في عسر كذا قرره بعضهم في شرح الحديث وقال البغدادي في شرح الشهاب: التدبير الإنفاق قصداً بغير إسراف ولا إقتار - (القضاعي) في مسند الشهاب (عن علي) أمير المؤمنين رضي اللّه تعالى عنه قال العامري في شرح الشهاب: غريب حسن وأقول وفيه إسحاق بن إبراهيم الشامي أورده الذهبي في الضعفاء وقال: له مناكير وابن لهيعة وقد مر غير مرة (فر) كلاهما (عن أنس) قال العراقي: فيه خلاد بن عيسى جهله العقيلي ووثقه ابن معين. 3400 - (التذلل للحق أقرب إلى العز من التعزز بالباطل) ظاهر صنيع المصنف أن هذا هو الحديث بتمامه والأمر بخلافه بل بقيته عند مخرجه الديلمي ومن تعزز بالباطل جزاه اللّه ذلاً بغير ظلم انتهى بلفظه. - (فر عن أبي هريرة) وفيه علي بن الحسين ابن بندار قال الذهبي: في الذيل اتهمه ابن ظاهر وأحمد بن عبد الرحمن الرقي قال الذهبي: قال الخطيب كان كذاباً وهشام بن عمار قال أبو داود حدث بأرجح من أربع مئة حديث لا أصل لها وإسماعيل بن عياش غير قوي ومحمد بن عجلان ذكره البخاري في الضعفاء (الخرائطي في) كتاب (مكارم الأخلاق عن عمر) بن الخطاب (موقوفاً). 3401 - (التراب ربيع الصبيان) أي التراب لهم يرتعون فيه ويلعبون ويهشون إليه طبعاً كوقت الربيع للبهائم والأنعام أصله من الرتع المرج الذي ترتع الناس فيه والماشية حيث شاؤوا ولا يحتاجون إلى نجعة لعموم نفعه وارتفاقهم به بعد خروجها من الشتاء. - (خط في رواة مالك) بن أنس (عن سهل بن سعد) الساعدي وكذا رواه عنه الطبراني ومن طريقه الديلمي (د عن ابن عمر) بن الخطاب قال: مر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على صبيان يلعبون بالتراب فنهاهم بعض أصحابه فقال: دعهم فذكره ثم قال الخطيب: المتن لا يصح وقال ابن الجوزي: قال ابن عدي: حديث منكر وقال الهيثمي: فيه محمد الرعيني متهم بهذا الحديث. 3402 - (التسبيح للرجال) أي السنة لأحدهم إذا نابه شيء في صلاته أن يسبح (والتصفيق) أي ضرب إحدى اليدين على الأخرى وفي رواية للبخاري بدل التصفيق التصفيح قال الزركشي: بالحاء وبالقاف في آخره سواء يقال: صفق بيده وصفح إذا ضرب إحداهما على الأخرى، قيل بالحاء الضرب بظاهر إحداهما على باطن الأخرى وقيل بل بأصبعين من إحداهما على صفحة الأخرى للإنذار والتنبيه وبالقاف الضرب بجميع إحدى الصفحتين على الأخرى للهو واللعب (للنساء) إذا ناب إحداهن شيء في صلاتها فإذا ناب المصلي شيء في صلاته كتنبيه الإمام على سهو وإذنه لداخل وإنذاره أعمى خيف وقوعه في بئر أو نهش حية فالسنة عند ذلك للرجل أن يقول سبحان اللّه بقصد الذكر ولو مع التفهم وللمرأة أن تصفق بضرب بطن كف أو ظهرها على ظهر أخرى أو ضرب ظهرها على بطن أخرى فلا تضرب بطنها على بطن الأخرى بل إن فعلته لاعبة عالمة بالتحريم بطلت صلاتها وإن قل لمنافاته الصلاة والمراد بيان التفرقة بينهما فيما ذكر لا بيان حكم التنبه وإلا فإنذار نحو الأعمى واجب فإن لم يحصل الإنذار إلا بكلام أو فعل مبطل وجب وتبطل الصلاة به على الأصح وخص النساء بالتصفيق صوناً لهن عن سماع كلامهن لو سبحن واللام في الرجال والنساء للتخصيص أي هما مختصان بهما فلا يكون التسبيح للنساء ولا التصفيق للرجال هذا هو المشروع لكن لو خالفوا فصفقوا وخالفن وسبحن لم تبطل وفي التسبيح والتصفيق للجنس أي هذا الجنس من القول والفعل فهو عام في بابه والخبر حجة على مالك [ص 282] في ذهابه إلى أن المرأة تسبح كالرجل وعلى أبي حنيفة في قوله إذا كان التسبيح جواباً قطع الصلاة وقد تدافع مفهوم الجملتين في الخنثى وألحقه الشافعية بالأنثى احتياطاً. - (حم عن جابر) قضية تصرف المصنف أن الشيخين لم يخرجاه وهو ذهول فقد جزم بعزوه لهما معاً من حديث أبي هريرة وغيره الحافظ ابن حجر كالصدر المناوي وغيرهم وفي المنضد صحيح متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي اهـ وقال الزين العراقي في شرح الترمذي: حديث أبو هريرة التسبيح للرجال والتصفيق للنساء أخرجه الأئمة الستة وقال ابن عبد الهادي: أخرجه الأئمة كلهم. 3403 - (التسبيح نصف الميزان والحمد للّه تملؤه) فيه وجهان الأول يراد التسوية بين التسبيح والتحميد بأن كل واحد منهما يأخذ نصف كفة الحسنات فيملآنها معاً لأن الأذكار هي أم العبادات البدنية والغرض الأصلي من شرعها ينحصر في التنزيه والتمجيد والتسبيح يستوعب القسم الأول والتحميد يتضمن الثاني والثاني أن يراد بيان تفضيل الحمد على التسبيح وأن ثوابه ضعف ثواب التسبيح فالتسبيح نصف الميزان والتحميد وحده يملؤه وذلك لأن الحمد المطلق إنما يستحقه من كان مبرءاً عن النقائص منعوتاً بنعوت الجلال وصفات الإكرام فيكون الحمد شاملاً للأمرين وأعلى القسمين ويؤيده الترقي في قوله (ولا إله إلا اللّه ليس لها من دون اللّه حجاب) أي ليس لقبولها حجاب يحجبها عنه لاشتمالها على التنزيه والتحميد ونفي السوري صريحاً ومن ثم جعله من جنس آخر لأن الأولين دخلا في معنى الوزن والمقدار في الأعمال وهذا حصل منه القرب إلى اللّه من غير حاجز (حتى تخلص) أي تصل (إليه) المراد بهذا وشبهه سرعة القبول وكمال الثواب كما سبق. - (ت عن ابن عمرو) بن العاص رضي اللّه عنه. 3404 - (التسبيح نصف الميزان) لأنه نصف العبودية (والحمد للّه يملؤه) لأنه كمال العبودية إذ كمالها معرفة اللّه والافتقار إليه فصفاء معرفته تنزيهه عما يهجس في الخواطر وتقع عليه النواظر وكمال الافتقار إليه أن ترى نفسك في قبضته يصرفك كيف يشاء فمن قال سبحان اللّه على يقين من قلبه فقد صفت معرفته للّه ومن قال الحمد للّه على بصيرة منه فقد صح افتقاره إليه (والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض) لأن نظر العبد في مصالح نفسه إلى السماء والأرض إذ رزقه في السماء وقوته وقراره في الأرض فكلما دخل عليه مما يخل بعبودية اللّه من نظر إلى غير اللّه ورجاء وسكون لغيره فذلك المنظور إليه والمعكوف عليه هو بين السماء والأرض فإذا قال اللّه أكبر على يقين من أن يردّ قضاؤه أو يضر معه ضار أو ينفع دونه نافع فكأنه لم ير بين السماء والأرض ولا فيهما إلا هو فإذا رفع الوسائط بينه وبينه ملأ له ما بين سمائه وأرضه نوراً وجعل ما بينهما قواماً لعيشه وخدّاماً لإرادته وسخر له ذلك بإرادته كله (والصوم نصف الصبر) لأن الصبر حبس النفس على ما أمر اللّه أن يؤدّيه والصوم حبسها عن شهواتها وهي مناهي اللّه فمن حبس نفسه عنها فهو آت بنصف الصبر فإن صبر على إقامة أوامره فقد أتى بكمال الصبر (والطهور نصف الإيمان) لأن الإيمان تطهير السر عن دنس الشرك وتطهير الجوارح عن عبادة غير اللّه فمن تطهر للّه فقد طهر ظاهره فقد أتى بنصف الإيمان فإن طهر باطنه استكمل الإيمان. - (ت عن رجل من بني سليم). 3405 - (التسويف) أي المطل (شعار) في رواية الديلمي شعاع (الشيطان يلقيه في قلوب المؤمنين) فيمطل أحدهم غريمه [ص 283] فيعجب الشيطان تأثيمه لأن مطل الغني ظلم وهو من الكبائر لكن اشترط بعضهم تكرره. - (فر عن عبد الرحمن بن عوف) وفيه حميد بن سعد قال الذهبي في الضعفاء: مجهول. 3406 - (التضلع من ماء زمزم) أي الإكثار من الشرب منه حتى تتمدد الأضلاع والأجناب (براءة من النفاق) لدلالة فاعل ذلك أنه إنما فعله إيماناً وتصديقاً بما جاء به الشارع من ندب الإكثار منه واعتقاداً لفضله قالوا: ومن خواصه أنه يقوي القلب ويجلو البصر. - (الأزرقي) بفتح الهمزة وسكون الزاي وفتح الراء وكسر القاف نسبة إلى جده إذ هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الوليد بن عقبة بن الأزرق الغساني المكي (في تاريخ مكة عن ابن عباس) هذا كالصريح في أن المصنف لم يره مخرجاً لأحد من الستة وإلا لما أبعد النجعة وعدل عنه وهو ذهول شنيع فقد خرَّجه ابن ماجه باللفظ المزبور عن ابن عباس وخرَّجه أيضاً الديلمي في الفردوس وغيره. 3407 - (التفل) بمثناة فوقية أي البصاق وفي القاموس التفل والتفال بضمهما البصاق (في المسجد خطيئة) أي حرام (وكفارته أن يواريه) بمثناة فوقية أو تحتية في أرضه إن كانت ترابية أو رملية على ما مر. - (د عن أنس) بن مالك وظاهره أنه لا يوجد مخرجاً في أحد الصحيحين لكن في مسند الفردوس عزاه لهما معاً ـ فليحرر. 3408 - (التكبير) قال الحرالي: التكبير إشراق القدر أو المقدار حساً أو معنى (في الفطر) أي في صلاة عيد الفطر (سبع في الأولى) أي سبع تكبيرات في الركعة الأولى سوى تكبيرة التحرم بعد دعاء الإفتتاح وقبل القراءة (وخمس) من التكبيرات (في الآخرة) بعد استوائه قائماً قبل التعوذ زاد الدارقطني في روايته سوى تكبيرة الصلاة (والقراءة بعدهما) أي السبع والخمس (كلتيهما) أي في كلتا -في كلتا هكذا بالألف مجرور بالكسرة المقدرة على الألف لأنه مقصور ولا يصح إعرابه إعراب المثنى لعدم إضافته إلى ضمير وأما الواقعة في المتن فإنها مجرورة بالياء تأكيداً للضمير المجرور لوجود شرطها وهو إضافتها للضمير- الركعتين وفيه أن السنة في الأولى من صلاة عيد الفطر سبع تكبيرات وفي الثانية خمس ومثلها في ذلك صلاة عيد الأضحى قال بعض الأعاظم: حكمة هذا العدد أنه لما كان للوترية أثر عظيم في التذكير بالوتر الصمد الواحد الأحد وكان للسبعة منها مدخل عظيم في الشرع جعل تكبير صلاته وتراً وجعل سبعاً في الأولى لذلك وتذكيراً بأعمال الحج السبعة من الطواف والسعي والجمار تشويقاً إليها لأن النظر إلى العيد الأكبر أكثر وتذكيراً بخالق هذا الوجود بالتفكر في أفعاله المعروفة من خلق السماوات السبع والأرضين السبع وما فيها من الأيام السبع لأنه خلقهما في ستة أيام وخلق آدم عليه السلام في السابع يوم الجمعة ولما جرت عادة الشارع بالرفق بهذه الأمة ومنه تخفيف الثانية على الأولى وكانت الخمسة أقرب وتراً إلى السبعة من دونها جعل تكبير الثانية خمساً لذلك. - (د حم عن ابن عمرو) بن العاص قال الترمذي في العلل: سألت عنه محمداً يعني البخاري فقال: هو صحيح اهـ ومن ثم أخذ به الشافعي دون خبر الترمذي الذي أخذ به أبو حنيفة أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كبر بعد القراءة لأن فيه كذباً ومن ثم قال ابن دحية: هو أقبح حديث في جامع الترمذي. 3409 - (التلبينة -وقال أبو نعيم في الطب: هي دقيق بحت أو فيه شحم والداودي يؤخذ العجين غير خمير فيخرج ماؤه فيجعل حسواً فيكون لا يخالطه شيء فلذا يكثر نفعه، وقال الموفق البغدادي: التلبينة الحساء ويكون في قوام اللبن وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيء-) بفتح فسكون حساء يتخذ من دقيق أو نخالة وربما جعل بعسل أو لبن وشبهه باللبن في بياضه سمي [ص 284] بالمرة من التلبين مصدر لبن القوم إذا سقاهم اللبن حكى الزيادي عن بعض العرب لبناهم فلبنوا أي سقيناهم اللبن فأصابهم منه شبه سكر. ذكره الزمخشري (مجمة) بالتشديد وفتح الميمين أي مريحة قال القرطبي: روي بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم فعلى الأول مصدر أي جمام، وعلى الثاني اسم فاعل من أجم، وفي رواية البخاري تجم بضم الجيم (لفؤاد المريض) أي تريح قلبه وتسكنه وتقويه وتزيل عنه الهم وتنشطه بإخمادها للحمى من الإجمام وهو الراحة فلا حاجة لما تكلفه بعض الأعاظم من تأويل الفؤاد برأس المعدة فتدبر، ونفع ماء الشعير للحي لا ينكره إلا جاهل بالطب (تذهب ببعض الحزن) فإن فؤاد الحزين يضعف باستيلاء اليبس على أعضائه وعلى معدته لقلة الغذاء والحساء يرطبها ويغذيها ويقويها لكن كثيراً ما يجتمع بمعدته خلط مراري أو بلغمي أو صديدي والحساء يجلوه عن المعدة قال ابن حجر: النافع منها ما كان رقيقاً نضيجاً غليظاً نيئاً. - (حم ق) في الطب من حديث عروة (عن عائشة) قال: كانت عائشة إذا مات الميت من أهلها فاجتمع لذلك النساء ثم تفرقن إلا أهلها وخاصتها أمرت ببرمة من تلبينة -وتقول هو البغيض النافع وتقول كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا أخذ أهله الوعك أمر بالحساء فصنع ثم أمرهم فحسوا منه ثم قال: إنه ليرتو فؤاد الحزين ويسرو عن فؤاد السقيم كما تسرو إحداكن الوسخ عن وجهها بالماء وفي رواية والذي نفس محمد بيده إنها لتغسل بطن أحدكم كما يغسل أحدكم الوسخ عن وجهه بالماء- فطبخت ثم صنع ثريد فصبت التلبينة عليها ثم قالت: كلوا منها فإني سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول فذكرته ورواه عنها أيضاً الترمذي والنسائي. 3410 - (التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير) هذا ظاهر في أن البر والشعير صنفان وهو ما عليه الأئمة الثلاثة وقال مالك صنف (والملح بالملح مثلاً بمثل يداً بيد فمن زاد) أي أعطى الزيادة (أو استزاد) أي طلب أكثر (فقد أربى) أي فعل الربا المحرم (إلا ما اختلفت ألوان) يعني أجناسه. - (حم م ن عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري. 3411 - (التواضع -من الضعة بالكسر الهوان والمراد بالتواضع إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه وقيل هو تعظيم من فوقه لفضله وقيل هو الاستسلام للحق وترك الإعراض على الحكم وقيل هو أن تخضع للحق وتنقاد له وتقبله ممن قاله صغيراً أو كبيراً شريفاً أو وضيعاً عبداً أو حراً ذكراً أو غيره نظراً للقول لا للقائل فهو إنما يتواضع للحق وينقاد له وقيل هو أن لا يرى لنفسه مقاماً ولا حالاً يفضل بهما غيره ولا يرى أن في الخلق من هو شر منه. (تتمة} مر الحسن بن عليّ بصبيان معهم كسر خبز فاستضافوه أدباً معه فنزل وأكل معهم وإن كان ذا جاه وحرمة تواضعاً ولخبر من دعي فليجب ولو إلى كراع ثم حملهم إلى منزله وأطعمهم وكساهم وقال: اليد أي النعمة لهم حيث أحسنوا أولاً وبذلوا ما أمكنهم لأنهم لم يجدوا غير ما أطعموني ونحن نجد أكثر منه- لا يزيد العبد إلا رفعة) في الدنيا لأنه بالتواضع للناس يعظم في القلوب وترتفع منزلته في النفوس (فتواضعوا يرفعكم اللّه تعالى) في الدنيا بوضع القبول في القلوب وإعظام المنزلة في الصدور وفي الآخرة بتكثير الأجر وإعظام [ص 285] القدر كما ذكره العلائي وغيره وحمله على الدنيا فقط والآخرة فقط في الثلاثة من ضيق العطن (والعفو) أي التجاوز عن الذنب وترك العقاب عليه (لا يزيد العبد إلا عزاً) لأن من عرف بالعفو ساد وعظم في القلوب فهو على ظاهره أو المراد عزه في الآخرة بكثرة الثواب وترك العقاب (فاعفوا يعزكم اللّه) في الدارين (والصدقة لا تزيد المال إلا كثرة) بمعنى أنه يبارك فيه وتندفع عنه المفسدات فينجبر نقص الصورة بذلك (فتصدقوا يرحمكم اللّه عزّ وجلّ) أي يضاعف عليكم رحمته بإضعافه لكم أجرها قالوا: وهذا من جوامع الكلم. - (ابن أبي الدنيا) أبو بكر القرشي (في ذمّ الغضب) أي في كتاب ذمّه (عن محمد بن عمير) بالتصغير (العبدي) ورواه الأصبهاني في الترغيب والديلمي في مسند الفردوس عن أنس قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف. 3412 - (التوبة من الذنب أن لا تعود إليه أبداً) قال العلائي: ليس معناه أن صحتها مشروطة بعدم العود في مثل ذلك الذنب بل إنها مشروطة بالعزم على عدم الوقوع قال الغزالي رضي اللّه عنه: للتوبة ثمرتان إحداهما تكفير السيئات حتى يصير كمن لا ذنب له والثاني نيل الدرجات حتى يصير حبيباً وللتكفير درجات فبعضها محو لأصل الذنب بالكلية وبعضها تخفيف له وكان الحسن البصري رضي اللّه تعالى عنه يقول: إذا أذنب العبد ثم تاب لم يزدد من اللّه إلا قرباً وهكذا كلما أذنب لأنه دائم السير بذنب وبلا ذنب حتى يصل إلى الآخرة. - (ابن مردويه) في التفسير (هب) وكذا الديلمي (عن ابن مسعود) ثم قال أعني البيهقي: رفعه ضعيف اهـ. وهو مع وقفه ضعيف أيضاً ففيه كما قال العلائي إبراهيم بن مسلم الهجري وبكر بن خنيس ضعفهما النسائي وغيره وقال الهيثمي: رواه أحمد بلفظ التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه وسنده ضعيف أيضاً. 3413 - (التوبة النصوح) أي الصادقة أو البالغة في النصح أو الخالصة أو غير ذلك قال القرطبي: في تفسيرها ثلاث وعشرون قولاً (الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر اللّه ثم لا تعود إليه أبداً) أي ثم تنوي أن لا تعود إليه بقية عمرك بأن يوطن قلبه ويجرد عزمه على عدم العود إليه البتة فإن ترك وتردد في عوده إليه فهو لم يتب منه. (تنبيه} قال العارف ابن عربي: إذا فتح اللّه عين بصيرتك ورزقك الرجوع إليه المسمى توبة فانظر أي حالة أنت عليها لا تزول عنها إن كنت والياً اثبت على ولايتك أو عزباً فلا تتزوج أو متزّوجاً فلا تطلق واشرع في العمل بتقوى اللّه في الحالة التي أنت عليها كائنة ما كانت فإن للّه في كل حال باب قربة إليه فاقرع ذلك الباب يفتح لك فلا تحرم نفسك خيره ولا تتحرك بحركة ناوياً فيها قربة حتى المباح فإن فيه قربة من حيث إن إيمانك به أنه مباح ولهذا أتيته فتثاب عليه ولا بد حتى المعصية إذا أتيتها فانو المعصية فيها أي أنها معصية فتؤجر في الإيمان بها أنها معصية ولذلك لا تخلص معصية للمؤمن من غير أن يخالطها عمل صالح وهو الإيمان بكونها معصية وهم الذين اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً إلى هنا ـ كلامه. - (ابن أبي حاتم وابن مردويه) في التفسير (عن أبيِّ) بن كعب. [ص 286] 3414 - (التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) فلا يكفي الاقتصار على الكفين عند الشافعية والحنفية إعطاء للبدل حكم المبدل واكتفى مالك رضي اللّه تعالى عنه بالكفين تمسكاً بخبر عمار المصرح بالاكتفاء بالكفين قلنا المراد بالكفين الذراعان إطلاقاً لاسم الجزء على الكل والمراد ظاهرهما مع الباقي وكون أكثر عمل الأمة على هذا يرجح هذا الحديث على حديث عمار فإن تلقي الأمة الحديث بالقبول يرجحه على ما أعرضت عنه وقوله ضربتان يفيد أن الضرب ركن لا يحتمل السقوط وعدم الاكتفاء بضربة واحدة وهو المفتى به عند الشافعية ومن ذهب إلى الاكتفاء بالضربة حمل الضربتين على إرادة الأعم من المسحين أو أنه خرج مخرج الغالب. - (طب ك) من حديث عبد اللّه بن الحسين عن جابر بن علي بن ظبيان عن عبيد اللّه بن عمر عن نافع (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي اللّه تعالى عنه قال الذهبي: عبد اللّه بن الحسين بن جابر رماه ابن حبان بسرقة الأخبار وابن ظبيان وهوه اهـ وظبيان بمعجمة فموحدة تحتية وقال الهيثمي: قال ابن معين وجمع: ابن ظبيان كذاب خبيث اهـ ورواه الدارقطني أيضاً عن ابن عمر من طريقين وقال: في إحداهما علي بن ظبيان وقد تركه النسائي وغيره وفي الأخرى سليمان بن أبي داود الحراني وابن الأرقم وهما ضعيفان قال: والصواب أنه موقوف على ابن عمر قولاً وفعلاً وقال ابن حجر رحمه اللّه في تخريج الرافعي: علي بن ظبيان ضعفه غير واحد وروى من طريق فيها كلها مقال وقال في تخريج الهداية: رواه الدارقطني من طريقين آخرين واهيين وهو في الصحيحين بدون المرفقين اهـ وبذلك عرف أن رمز المصنف لصحته غير صواب.
|